تغطية تفاعلية

العالم العربي في مواجهة كورونا..
هل يصمد قطاع الصحة؟

العالم العربي في مواجهة كورونا..
هل يصمد قطاع الصحة؟

أكثر من 74 مليون نسمة في العالم العربي سيكون احتمال إصابتهم بفيروس كورونا أكبر، لأنهم لا يملكون الصابون والمغاسل وكمية المياه اللازمة لغسل اليدين، وهي عناصر أساسية للوقاية من "كوفيد 19".

وفق تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، تقدر كمية المياه اللازمة لغسل اليدين في الظروف الحالية بين 9 لترات و12 لترا يوميا. ولا يحصل نحو 87 مليون شخص في العالم العربي على مياه بأماكن إقامتهم أصلا.، كما لا تعد إمدادات المياه بالمنازل كافية في 10 من جملة 22 دولة عربية.

ويطرح هذا الواقع، وضعف الإمكانات الطبية والاقتصادية في معظم البلدان العربية أسئلة عن قدرتها على مواجهة صراع طويل مع كورونا، ومدى توفر الأنظمة الصحية المناسبة، والقدرات الطبية والمادية لتفادي الأسوأ. وتستعرض هذه التغطية بالأرقام والبيانات وضع المنظومة الصحية في العالم العربي ومؤشراتها، ومدى استعدادها لمكافحة "كوفيد 19".

.كوفيد 19" في العالم العريي.. خارطة الانتشار .كيف تسلل الفيروس إلى العالم العربي؟ .المنظومة الصحية.. تحد غير مسبوق .الأمن الصحي العربي.. مؤشرات متفاوتة .البنية التحتية لقطاع الصحة .تدابير طارئة ومخاوف قائمة .اقرأ أيضا

كوفيد 19" في العالم العريي.. خارطة الانتشار

يتزايد انتشار فيروس كورونا في العالم العربي بوتيرة متباينة بين دوله. ويعود هذا الارتفاع لأسباب مختلفة ربما أهمها زيادة معدلات إجراء الاختبارات. فدول مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت تحتل مواقع متقدمة عالميا في ذلك، وفق برنامج "عالمنا في أرقام" (Our world in Data). وقد يرجع السبب إلى تفشي الفيروس بشكل أكبر مما كان منتظرا، أو التقليل في البداية من نسبة انتشاره وعدم أخذه على محمل الجد.

ويبرز الرسم البياني التالي تطور عدد الإصابات المؤكدة من الفيروس في البلدان العربية.

ويظهر المؤشر التالي كيف تتزايد أعداد الإصابات المؤكدة، والوفيات والمتعافين من الفيروس في كل دولة وتحدَث الأرقام بشكل تلقائي يوميا.

كيف تسلل الفيروس إلى الدول العربية؟

ينتمي فيروس كورونا إلى عائلة الفيروسات التاجية، وبدأ -وفق السردية السائدة- من مدينة ووهان الصينية أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2019، وأطلق عليه اسم "سارس كوف-2" (sars cov-2) وعلى المرض الذي يسببه اسم "كوفيد-19" (Covid 19). وانتشر لاحقا في كل أنحاء العالم، ليصيب الملايين ويفتك بعشرات الآلاف، ويحتجز نصف سكان المعمورة في بيوتهم.

تعرف على فيروس كورونا وأعراضه

ولم يبق العالم العربي طويلا بمنأى عن الفيروس، إذ تسرب تدريجيا منذ بداية شهر مارس/ آذار، ليصل إلى كل بلدانه. فمعظم الدول العربية مفتوحة على مصادر انتقال الفيروس وبؤره الرئيسية، كالصين وإيطاليا وفرنسا وإيران، بحكم القرب الجغرافي أو حركة السياحة والتجارة، كما تشهد بلدان أخرى حركة تنقل واسعة عبر مطاراتها العالمية، ويتوافد إليها آلاف العمال. ويعرض التسلسل الزمني التالي تاريخ أول حالة في كل بلد عربي ومصدرها.

المنظومة الصحية.. تحد غير مسبوق

في وقت بدت فيه أنظمة الرعاية الصحية في أوروبا والولايات المتحدة وغالبية الدول المتقدمة ضعيفة أمام تفشي الفيروس وشراسته، يُعتقد أن معظم الأنظمة الصحية في العالم العربي أكثر ضعفا، نظرا لانخفاض مؤشرات التنمية الصحية في أغلب البلدان العربية وفق المقاييس العالمية، إضافة إلى الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية المتدهورة التي تعانيها معظمها.

وتجدر الإشارة هنا إلى تفاوت حالة الإمكانات الطبية والموازنات المخصصة لقطاع الصحة والتجهيزات والمرافق والكوادر الطبية في البلدان العربية، وبالتالي اختلاف قدراتها على مواجهة فيروس كورونا، كما أن التفاوت في عدد السكان بين الدول ومساحاتها وقدراتها الاقتصادية، تعتبر عوامل مهمة في التصدي للفيروس.

أردنيون ينتظرون دورهم لتسلم أدوية من صيدلية مستشفى حكومي (الجزيرة)

هل أنظمة الرعاية الصحية مستعدة؟

يصنف مؤشر الازدهار العالمي التابع لمعهد "ليغاتوم" المختص في الأبحاث وتصنيف الدول في عدة مجالات ومقره لندن، مدى جودة الرعاية الصحية في 167 بلدا.

ويعتمد المؤشر معايير الصحة العقلية والبدنية والبنية التحتية للقطاع، بما في ذلك معدات العلاج والتشخيص وتوفر الأطقم الطبية وكفاءتها الطبية، وكذلك قرب المرافق الصحية وتوفر وسائل الوقاية من الأمراض ضمن مقياس من 0 إلى 100 درجة.

ويبين الرسم البياني التالي مدى جودة أنظمة الرعاية الصحية في الدول العربية وفق تقديرات الموقع لعام 2019.

يظهر من خلال هذا المؤشر أن دول الخليج العربي تحتل مراتب متقدمة ضمن الترتيب العالمي لجودة الرعاية الصحية، كما أن دولا أخرى -مثل الجزائر ولبنان الأردن وتونس- تتمتع بقدرات طبية معقولة.

وتأتي دول أخرى ضمن أسوأ بلدان العالم في نظام الرعاية الصحية، جراء الحروب والبنى الطبية المتهالكة والانهيار الاقتصادي أو الكثافة السكانية العالية إضافة إلى سوء التصرف في الموارد. وتخوض هذه المنظومات الصحية في الوقت الراهن اختبارا صعبا لحماية المجتمعات من جائحة كورونا.

المختبرات في مختلف أنحاء العالم استنفرت لإيجاد لقاح مضاد لكورونا (رويترز)

الأمن الصحي العربي.. مؤشرات متفاوتة

يقيّم مؤشر الأمن الصحي العالمي (Global Health Security) قدرة الدول على مواجهة الأزمات الحادة كالأوبئة، عبر ست فئات و34 مؤشرا رئيسيا و85 مؤشرا فرعيا، اعتمادا على المعلومات التي تقدمها الدول والمنظمات الدولية.

ويبلغ متوسط الدرجة الإجمالية لمؤشر هذا النظام المنسق عالميا 40.2 درجة من أصل 100، ويبين الرسم البياني التالي وضع الأمن الصحي للبلدان العربية، وترتيبها عالميا وفق هذا المؤشر.

ويمكن مقارنة مؤشرات البلدان العربية مع الدول العشر الأولى في الترتيب العالمي من خلال الرسم البياني التالي:

GHS هو مشروع مشترك لمبادرة التهديد النووي (NTI) ومركز جونز هوبكنز للأمن الصحي (JHU)، وتم إعداده بالتعاون مع وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) التابعة لمجلة الإيكونومست.

يظهر المؤشر أن معظم الدول العربية تحتل مراكز متدنية عالميا بدرجات أقل من المتوسط العالمي (40.2 درجة)، وهي بالتالي تعاني من ضعف في قدرتها على اكتشاف الأمراض ومكافحتها والاستجابة السريعة للطوارئ الصحية، كما تشكو من ثغرات في نظامها الصحي قد تؤثر سلبا على استعدادها لمواجهة تفشي وباء كورونا في الوقت الراهن.

البنية التحتية لقطاع الصحة

مرر المؤشر بين خرائط الدول العربية للاطلاع على المعلومات عن قطاع الصحة

المصدر: بيانات البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية

عجزت معظم الأنظمة الصحية الأكثر كفاءة في العالم عن مجاراة النسق الكبير في موجات الإصابة بكورونا، على صعيد عدد الأسرّة في المستشفيات وعدد الأطباء والممرضين وأنظمة الإنعاش والعناية المركزة. واتضح أيضا أن موازنات قطاع الصحة نفسها أقل من اللازم في مواجهة هذا الوباء.

ويبلغ الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي نسبة 9.90% عالميا مقابل 4.91% في العالم العربي، فيما يبلغ متوسط نصيب الفرد من النفقات الصحية عالميا 1085 دولارا، مقابل أقل من نصف هذا المبلغ بالنسبة للدول العربية.

وتشير الأرقام المأخوذة من آخر الإحصائيات للبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية لعام 2017 - والتي تمت مقارنتها وتحديثها بالأرقام الرسمية التي أتيحت من وزارات الصحة بالبلدان العربية - إلى هشاشة البنية التحية لقطاع الصحة في العالم العربي عموما.

الدول العربية تعاني من نقص في الكوادر الطبية وأسرة المستشفيات (الجزيرة)

تتمتع بلدان الخليج العربي، وخصوصا قطر، ثم الإمارات والكويت والسعودية، ببنية صحية قوية تستجيب في معظمها للمقاييس العالمية، وقطعت في السنوات الأخيرة خطوات مهمة في تحسين هذه البنية.

كما أن بلدانا أخرى مثل لبنان والأردن وتونس تخصص موازنات معقولة للقطاع الصحي مقارنة ببقية البلدان ولديها أنظمة صحية فعالة نسبيا وقدرات طبية لا بأس بها، لكنها أرهقت في السنوات الأخيرة جراء الأزمة الاقتصادية.

وكذلك الشأن بالنسبة لمصر والعراق وسوريا والمغرب، التي تمتلك جميعها كفاءات في المجال الطبي، لكن عدد الأطباء وأسرّة المستشفيات وكذلك الممرضين وأطباء الاختصاص لا يتناسب مع عدد السكان. وتبقى موازنات قطاع الصحة ضعيفة ولا تستجيب مع الحاجات المتنامية.

اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري يرتدون كمامات خوفا من تفشي كورونا (الجزيرة)

وتصنف بلدان عربية مثل اليمن والصومال وجزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والسودان وسوريا في الفئة الأدنى عالميا ضمن مؤشرات التنمية الصحية. ويعود ذلك إلى عوامل الفساد وسوء التخطيط والتدهور الاقتصادي، وإلى الحروب والصراعات التي شهدتها أو تشهدها دول مثل الصومال وليبيا واليمن وسوريا.

ويعيش اليمن وضعا متدهورا في مجال الصحة وفق جميع المؤشرات، ما يجعل من انتشار فيروس كورونا أزمة خطيرة لا يمكن التكهن بعواقبها، كما تؤثر حالة الحرب المتواصلة والانقسام السياسي في ليبيا على الوضع الصحي، لا سيما في مواجهة تفشي فيروس كورونا.

في سوريا أثرت سنوات الحرب على النظام الصحي بشكل كبير. ويحتاج 13.2 مليون شخص حاليا لمساعدات صحية وفق تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2019. فقد دمر أكثر من 50% من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، وتواجه ما بقي منها نقصاً حاداً في الأدوية الأساسية والكوادر المؤهلة، خصوصا في مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي البلاد.

ويعيش ثلاثة ملايين نسمة في ظروف بالغة الصعوبة هناك، وفي مناطق الشمال الشرقي حيث يسيطر الأكراد. وقد يؤدي تفشي كورونا في سوريا إلى عواقب وخيمة، حيث تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع هناك على أنه "خطر جدا ".

تدابير طارئة ومخاوف قائمة

أدت هذه الإجراءات إلى ضغط كبير على معظم اقتصادات الدول العربية. ووجدت البلدان التي لا تملك صناديق سيادية أو احتياطات نقدية كبيرة نفسها وسط أزمة، جراء النفقات الإضافية الطارئة لمكافحة انتشار فيروس كورونا.

وينتظر أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بنحو 42 مليار دولار، وفق تقديرات (الإسكوا). والأخطر أن عدد الوظائف المفقودة سيبلغ نحو 1.7 مليون وظيفة، فيما ستصل الخسائر السوقية للشركات إلى حوالي 420 مليار دولار.

هذه الخسائر، التي قد تكون أكبر من التوقعات، ستلقي بظلالها على نسق النمو في البلدان العربية خلال الأعوام المقبلة، وستعرقل الخطط والمشاريع لرفع معدلات التنمية الاجتماعية، خصوصا في قطاع الصحة وتحسين نظم التغطية الاجتماعية ومكافحة الفقر.

وتشير الإسكوا إلى أن عدد الفقراء في العالم العربي سيرتفع إلى 101.4 مليونا (من 363 مليونا حسب آخر الإحصاءات) مع وقوع 8.3 مليون شخص إضافي ضمن دائرة الفقر بسبب تأثيرات كورونا.

في الوقت الراهن يعاني 50 مليون شخص في المنطقة العربية من سوء التغذية، ويتوقع أن يرتفع العدد إلى 52 مليونا جراء الوباء المتفشي. وتهدد هذه الجائحة أيضا نحو 55 مليون شخص ممن هم بحاجة إلى المعونة الإنسانية، من بينهم حوالى 26 مليونا بين لاجئين وآخرين بلا سند.

وينفق العالم العربي حوالى 110 مليارات دولار على الواردات الغذائية، أي نحو 4% من ناتجه المحلي الإجمالي. وتسبب فيروس كورونا في نقص واضح عالميا في إمدادات الغذاء، أو احتكارها أحيانا، مما قد يضع البلدان العربية في موقف صعب إذا ما استمرت الأزمة وزادت سياسات الإغلاق والحمائية.

اقرأ أيضا

ماذا قدمت الحكومات العربية؟.. تحقيق للجزيرة نت عن الأوضاع المالية للعمال في ظل كورونا

ماذا قدمت الحكومات العربية؟.. تحقيق للجزيرة نت عن الأوضاع المالية للعمال في ظل كورونا

Card image cap

تحقيق للجزيرة نت بالأرقام.. هكذا أثر فيروس كورونا على السياحة والطيران بالمنطقة

Card image cap

هل يمكن تطبيق "مناعة القطيع" بالدول العربية للتصدي لجائحة كورونا؟

فريق التحرير: زهير حمداني – محمد العلي- معاوية الزبير

برمجة وتصميم : سامي القطامي

إنفوغراف : مصطفى أبو عين